الشيخة سودة بنت الشيخ سيدي باب
مأوى المحتاجين ... وغوث الملهوفين:
أعطاك رَبُّك في كِلا الدارَينِ مِن *** قسم السعَادةِ أوفر الأقسامِ
 وسلامَةُ الدنيا دليل سَلامَةِ الـ *** أخرَى مِن التبِعاتِ والآثام
هي الشيخة الماجدة الفاضلة سودة بنت الشيخ سيدي باب، وأمها الحافظة الفاضلة الخيرة: رملة بنت الحسن بن سيد أحمد بن محم بن خاجيل بن احميدي بن خاجيل بن امرابط مكه. 
ولدت سنة 1923م بأبي تلميت في بيت عز وتقى وعلم ومعروف وندى، نشأت في تربية أمها وتعليمها وتأديبها وتهذيبها وتلقينها إياها المعارف والآداب.
درست القرآن الكريم والعلوم الشرعية، فكانت ‌حافظة ‌لكتاب ‌الله تقرأه آناء الليل والنهار، عارفة بالسنة عاملة بها، مستغرقة الأوقات في الطهارة والصلاة، قائمة الليل تسهر في العبادة والقراءة والدعوات.
بلغني أنها تلت القرآن الكريم على ابن أخيها العلامة الفاضل الشيخ إسحاق بن آل محمد بن الشيخ سيدي باب ثلاث ختمات، فأقرّ لها بالحفظ والإتقان.
تزوجها الرجل الفاضل سيد محمد بن عبدي بن الحافظ بن سيد أحمد بن محم بن خاجيل بن احميدي بن خاجيل بن امرابط مكه.
ثم تزوجها ابن عمها الشيخ التقي الورع: أحمد بن الشيخ سيدي المختار(اباه) بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي الكبير.
كان مقامها بتندوجه، ثم المبروك، وبعد ذلك وفي سنة 1972م تحولت إلى الربيع الشمالي ومكثت بها مدة، وأخيرا استقر بها المقام في الربيع الجنوبي، وتارة تكون بأبي تلميت.
كانت الشيخة سودة حاذقة، سديدة الرأي، ثابتة الجنان، كريمة اليد والنفس، سليمة الصدر، طيّبة القلب، جليلة الْقدر، دينة مباركة متيقظة، صالحة خيرة، كثيرة الإيثار، ‌عالية ‌الهمة، وكانت تعول من يلتجئ إليها، وتعامله معاملة القريب والصديق، وتجاهد في إقامة الحقوق لهم، واشتهرت بالصفات الحسنى، حتى كانت ملجأ وغوثا للملهوفين والغرباء والمحتاجين، ‌كثيرة ‌البر والصدقة، منعمة على الفقراء والأيتام، من كرماء النساء المشار إليهن في زمانها، ومن خِيَارِ نِسَاءِ أبي تلميت فِي وقتها، كانت ذات عقل ثاقب، وفكر صائب، يرجع إليها الأعيان بالرأي، ويشاورونها في مهام الأمور، لطيفة المسامرة، حسنة المحاضرة، حافظة للتاريخ وأخبار الناس، من المتصدقات المحسنات، قامت بتربية الضعفاء والأيتام وتزويج الأرامل، تكسوهم وتحسن إِلَيْهِم، لا تسمع بمحتاج إلا وأحسنت إليه، ولا بمعروف إلا بادرت إليه، وَهَذَا دأبها إِلَى أَن توفيت، وَكَانَت من أهل الهمم الْعَالِيَة، والنفوس الأبية: 
يَدٌ تُخْجِلُ الْمُزْنَ يَوْمَ النَّوَال *** فَمَا يُنْكِرُ الخلق أفضالها
ثناها عن الْقُبْحِ رَبُّ الْعِبَاد *** فَمَا يَدْخُلُ الذَّمُّ أَفْعَالَهَا
‌موفقة للخير، لا يبرم إخوتها أمرا دونها، ولا يعقدون مجلسا إلا بحضورها، ولها طبع نافذ، وخاطر عامر، وقريحة ‌ثاقبة، وكياسة نادرة، ومعرفة ‌ثاقبة بدقائق الأمور. 

وكان مسكنها رحب الفناء، وملاذا للضعفاء، ومعقلا للغرباء، ومأوى للأيتام، للخلق حصنا، وللناس عونا، ‌يلجأ ‌إليه الفقراء والأرامل، ويفد عليه الراجي والآمل.
 اتصفت بالمروءة التامة، وفعل الخير في السر والجهر، والمسارعة إلى أفعال البر وصنائع المعروف، مع تمسك من التقى بالعروة الوثقى، وإيثار الآخرة على الدنيا، والآخرة خير وأبقى.
لم تختلف ‌في ‌مدحها الأفعال، ولا تغايرت في حمدها الصّفات.
وبالجملة فقد كانت من محاسن العصر، ومفاخر الدهر.
خلفت أولادا - ذكورا وإناثا - عرفوا بالشهامة والنجابة والثقافة والوعي والنبل والكرم:
قوم زكوا أصلاً وطابوا محتدا *** وتدفقوا جودا وراقوا منظرا
مرضت الشيخة سودة وتم نقلها إلى دكار لتلقي العلاج، ففاضت الروح إلى بارئها لهذه النفس المطمئنة، راضية مرضية إلى رحاب الله ورضوانه، يوم 1 سبتمبر 2002م، ودفنت عند البعلاتية بأبي تلميت.
رحمها الله رحمة واسعة، وأمطر على قبرها ‌سحائب رضوانه، وأسكنها بصالح أعمالها فسيح جناته:
ألمّا بأجداث العلى والمناصب *** تحيي ثراها واكفات السّحائب
وعوجا بأكناف الضّريح الذي حوى *** من الجود والإفضال أسنى المراتب 
وبوحا بأنّ المجد أقوت ربوعه *** وزلزل منه مشمخرّ الأهاضب 
 لقد رزئت فيك السّماحة والنّدى *** وضعضع منها جانب أيّ جانب 
 تغمّدك الرّحمن منه برحمة *** وبلّغك الزّلفى وأقصى المآرب 
 وبوّاك من أعلى الجنان قصوره *** تحيّيك فيها مسبلات الذّوائب
عليك سلام الله ما لاح بارق *** وما سجعت ورق الحمام النّوادب.
وكتب إسحاق بن موسى بن الشيخ سيدي